هل تعلم عزيزي القارئ أن السيد المسيح, وُلد بدون أب بيولوجي. و هذه الحقيقة الإيمانية مٌتفق عليها من المئات من الملايين من البشر, سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين. لكن هل كنت تعلم أن الملك حورس المصري وٌلد أيضا بدون أب بيولوجي قبل المسيح بالاف السنوات ؟
سنستعرض في هذا المقالة وجه التشابه و التداخل بين الديانة المصرية الأقدم و بين المسيحية الأحدث. ربما لفهم واقعنا أكثر من زوايا مختلفة, هادفة إلى مراجعة قوانين المواطنة مرورا بالقبول الإجتماعي و التسامح للعبادات المتنوعة. و للإنتباه الشديد أيضا الى الأحداث التي غيرت و طمست التركيبة الإجتماعية المصرية المسالمة عبر الأزمنة حتى يومنا هذا. مما ترتب عليه أزمات نعيشها اليوم, و لعل أبرزها هو التعصب العنصري بسبب سرديات تاريخية غير حقيقية و أحداث لا تٌشرح عمدا في المدارس و لا يشير لها الإعلام السائد البعيد عن الثقافة المصرية و هويتها.
وُلد السيد المسيح في القرن الأول الميلادي في منطقه شرق حوض البحر المتوسط. وكانت تلك المنطقة خاضعة بالقوة تحت وصاية و قوانين الإمبراطورية الرومانية الوثنية. تلك الامبراطورية الممتدة شرقا و غربا كانت تحارب وتكره المسيح واتباعه. وتكره الديانة المسيحية تماما. ولدولة الرومانية حينها تاريخ أسود في اضطهاد أتباع المسيح, حيث قتلت الكثير وعذبت أكثر. كما دمرت و هدمت العديد من الكنائس. و أحرقت نسخ نادرة تٌعتبر من أوائل ما كتبه تلاميذ السيد المسيح من الأناجيل.
كانت هذه بداية تكوين المسيحية و كانت هذه هي البيئة المحاربة لها لمدة امتدت إلى ما يقرب من 300 سنة متواصلة من النبذ !!
إلى أن استيقظ يوم ما, الإمبراطور قسطنطين وقرر بإن يؤمن بالسيد المسيح و الديانة المسيحية. و لن نغوص في ظروفه الشخصية الفكرية ولا دائرة الأحداث المحيطة به التي أدت للإعتناق الجديد. فالمهم بعد ايمانه الجديد تحولت امبراطوريته كلها الى المسيحية في يوم وليله. حكومة و شعبا و جيشا. التحول من كل الكراهية و الدماء إلى النقيض تماما بإعتلاء الصليب في أنحاء الامبراطورية. و اتّبع مواطنيها بسرعة الأمر الملكي واصبحوا مسيحيين مما سيحدث تغيير كبير في الكره الارضية بعدها .
و من ناحية أخرى, إن تأثير الحضارة المصرية القديمة على الأنبياء اليهود وعلى المفكرين اليونانيين و أوائل من امنوا بالمسيحية و حتى الاسلام أمر لا يمكن انكاره. بل يجب التباهي و التفاخر به. و هو أمر لا يذكر على الإطلاق و يغفله كل المصريين. فالديانة المصرية القديمة الاوزورية كانت أولى الأديان و الشعائر الإنسانية و ستعرف لماذا.
لك أن تعرف عزيزي القارئ أن الديانة المصرية و المسيحية متشابهان كثيرا. و السبب في ذلك أن المسيحية تَطبّعت و نمتْ تماما في الأحضان المصرية و تقاليدها. و تتلامس العديد من الجوانب الإنسانية و المبادئ الفكرية بين الديانتين القديمة المصرية و الحديثة المسيحية. فكلاهما يدعو باختصار إلى الخلاص لكل البشر من الخطيئة. و الإبتعاد عن الشيطان. وقبول الرب و الإيمان بقيامه الأموات و العمل الصالح .
أولا سنبدأ بمعجزه الميلاد لطفل حورس المصري الذي ولد في مستنقعات شمال دلتا النيل ليلا. وكانت أمه مضطرة الى اخفائه عن عيون الأعداء المتربصين. فختبأت وسط نباتات البردي الكثيفة. والطفل يسوع وٌلد أيضا ليلا في حظيرة ماشية أو مزرعة نخل .و كلاهما كما نعلم ولدوا بدون وجود الأب. و تمت تسميتهم بلقب الأم. الطفل عيسى ابن مريم والطفل حورس ابن ايزيس. و هذه دعوة للتفكير و مراجعة اسباب رفض قانونية و دلالة تنسيب الطفل لأمه في الكثير من البلاد و من العباد. لاسيما أن كلا الطفلين يشكلان المحاور الرئيسية للدين نفسه !.
الطفل حورس و الطفل السيد المسيح ابن مريم, و على غير عادة كل الأطفال, كانوا ينّمون . بسرعة غير طبيعية. واستطاعوا التحدث بطلاقة وأعمارهم بضع من الشهور. هذه نقطة
. نقطة أخرى هي اسبوع الألام لسيد المسيح. المتشابه جدا ومأخوذ نصا من أسبوع الألام للملك المصري أوزير. فكلاهما كانا محكوم عليهما بالموت. و قد ضحّيا بأنفسهما لأجل الخير و البشرية. و قد قاما بين الأموات. و في هذا القيام عبرة للمؤمنين للتغلب على الموت والتغلب على الشر والشيطان و انه حياة اخرى بعد الموت المعروف بالبعث
اسبوع الألام الذي كانت تحتفل به المعابد المصرية, احتفلت به الكنيسة المصرية أيضا لمدة أسبوع. انها تذكرة لموت وبعث اليسوع المسيح. و إنه مثبوت في التوابيت التي تعود زمانها إلى الدول’ الوسطى, أي حوالي 2000 سنه قبل ميلاد المسيح , بأنه كانت هناك مراسم حداد مدته سبعه أيام في كل البلاد المصرية تكريما لدفن جثه اوزير و قيامه بعد ان جمعت زوجته اشلائه المبعثرة . و رُدت له روحه مجددا.
والجدير بالذكر, أن العدد رقم سبعة كان مقدسا عند قدماء المصريين. و كان رمز للإكتمال. حيث كان يٌعتقد أن الملك أوزير كان عليه أن يعبر سبع سماوات حتى يعود إلى بداية الدورة الكاملة للحياة والموت. و رقم 7 مذكور في الأيات القرانية حينما خلق الله الكون في 7 ايام و 7 سماوات.
و من الملوم أن السيد المسيح قد عُذّب وقٌطعت أجساده ثم صُلِب. وهو أيضا ما حدث لأوزير عندما قُطّعت أجساده وفٌرّقت في أنحاء البلاد المصرية قديما.
أما عن عيد شم النسيم, وهو عيد مصري خالص و لكل المصريين, والذي يأتي دوما يوم الإثنين, وهو اليوم التالي مباشرة بعد إنقضاء أسبوع ألام السيد المسيح. في عيد شم النسيم يخرج و يتنزه كل المصريين الى الحدائق والشواطئ, و تجتمع الأسر معا منذ الصباح الباكر بعد انتهاء برودة الشتاء. هذا تفسير معنى الإسم .شم النسيم.
إلى أن الحقيقة التاريخية تشير إلى أن المصريين القدماء كانوا السبّاقين بالإحتفال بهذا العيد الذي كان معروفا 3000 عام قبل السيد المسيح نفسه !! و أكثر من ذلك, ان سيد المسيح حينما قام بعد موته, أكل سمكة. فاتٌخذت رمزا عند المسيحيين. والسمكة أيضا عند قدماء المصريين كانت رمز وشعار للإله أوزوريس.
والان إلى الصليب. يٌمثل الصليب رمزا مسيحيا خالصا. ولم يكن هناك أي وجود لرمز الصليب في أي معتقد يهودي يسبق ظهور المسيحية. ولم يٌذكر الصليب في أي سفر من أسفار التوارة, ولا في أيً من نبوءات العهد القديم. اربط هذا الحقيقة مع رمز مفتاح الحياة المصري الشهير في كل المعابد و الجدران المصرية. ستلاحظ بسهولة وجه التشابه بين رسمة الصليب المسيحي و مفتاح الحياة المصري
كما ستلاحظ التشابه الرهيب في ترانيم الصلوات القبطية المسيحية في مصر حاليا مع نظيرتها المصرية التي سبقتها. من تماثل النغمات و حتى الأصوات. ضف على ذلك الثالوث المسيحي ( الأب – الإبن – الروح القٌدس ) و مثيله السابق الثالوث المصري ( اوزوريس – ايزيس – حورس)
وكما في تقويم شهر رمضان, حيث يصوم المسلمون, في تقويمات اخرى صامت اتباع الديانات المسيحية و المصرية ايضا. كان قدماء المصريين يصومون من الفجر حتى غروب الشمس. ويستخدم المسيحيون كلمة امين مثلما يفعل المسلمون في الصلوات.ولكن هل تعلم عزيزي القارئ ان كلمة امين ما هي إلا كلمة لتجلي بإسم الإله امون المصري العظيم ؟
عيد اخر هو عيد الغطاس المسيحي المصري. الذي كانت بدايات قصته عند قدماء المصريين عندما نزلت ايزيس تستحم في نهر النيل و غرقت. وسعف النخيل الذي يستخدمه المسيحيين هو نفس السعف الذي كان يٌستخدم في مصر القديمة. وحتى البخور الذي يٌستخدم داخل المعابد الكنيسية المسيحية كان للبخور مكانة روحانية لطقوس التعبدية في مصر.
زيارة واحدة لك كافية إلى المتحف القبطي في مصر و ستلاحظ فورا التشابه بين الرسومات المسيحية و الفن المصري القديم. حتى التقويم الشهري. الشهور السنوية القبطية المسيحية التي ترتكز عليها الكنيسة سٌميت بأسماء مصرية. مثال شهر توت الذي سٌمي على اسم الإله توت في مصر القديمه
و أخيرا, ذٌكرت مصر في الكتاب المقدس 698 مرة. وهذا يعني أن كل مسيحيوا العالم بمختلف اللغات و الثقافات و البلاد, يعرفون مصر جيدا. ويسمعون اسم مصر كثيرا جدا في الكنائس و في الصلوات و في الانجيل. وهذا يعني بإختصار شديد أن مصر هي التي حضنت المسيحية وهي التي جعلت المسيحية عالمية. و لولا مصر لم تكن هناك مسيحية. مما يترتب عليه مسؤولية على كل مصري وعلى الحكومة المصرية الحفاظ على المسيحية لأنها إرث مصري و أصل من أصول مصر. لا بد من صونها و تقديسها و مراعاة أتباعها. و ألا يتكون أبدا أي ثقب في وجدان الشعب المصري قد يملأه أبواق العصبية و النبذ.
نختم بالقول بأن الديانة المصرية هي ديانة من عند الله. لأنها امنت بوجود الله و حتمية الموت و البعث من بعده. و فعل الخير فقط هو طوق النجاة للحياة سالما في الدنيا و ما بعدها. ماذا يريد المؤمن غير ذلك ؟ و ماذا يريد الله أيضا من عباده غير ذلك ؟ أتباع الديانة المصرية كانوا يٌصلّون ويصومون وحتى أقاموا فريضة الحج. كما يفعل المسلمون إلى مكة و المسيحيون إلى القدس.
فهل المصريون القدماء كفرة ؟ و هل فرعون كافر ؟ هل المجتمع المصري القديم, الذي تسيّد العلوم بكل مجالاته ,الرياضية والفلكية والطبية سيدخل النار ؟ حقا ؟ هل معقول أن تتصارع أصوات و بالترهيب بأن الإسلام و فقط هو الدين الرسمي للدولة ؟ و ان مبادئ الإسلام منصوصة في الدستور دون أي ذكر للمسيحية و لا حتى للديانة الأوزورية المصرية الأصيلة المأصلة في مصر منذ 5000 سنة ؟
هل يعقل أن يتباها بعض الجهلاء بأن مصر اسلامية و فقط ؟ و رئيسها يجب أن يكون مسلما فقط ؟ هل معقول أن يعيش المسيحي المصري القبطي في خوف في بلده ؟ و هو الذي يواظب على الطقوس المصرية المتبقية حينذاك ؟ مجرد اسئلة للتدبر للمسقبل المطلوب تشكيله.